مقدمة كتاب “الرسالة الكبرى في التصوف” للشيخ سيدي إبراهيم البصير

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الكائنات، وعلى آله وصحبه ذوي الرتب العاليات، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فقد عزمت بحمد الله تعالى مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام على طبع كتاب “الرسالة الكبرى في التصوف” للشيخ سيدي إبراهيم البصير الرقيبي المتوفى سنة 1945م، والذي قام بدراسته وتحقيقه، كل من فضيلة أخينا الدكتور عبد المغيث بصير وحبيبنا الدكتور الفاضل الجيلالي كريم، حفظهما الله تعالى ووفقهما لما فيه خير الأمة ونفع بهما على الدوام.

أقول: لقد شاء الله تعالى أن تخرج هذه الرسالة المختصرة في كلماتها وجملها، القيمة في معانيها وحكمها ومواعظها، إلى الطبع والنور، بعد أن ظلت طوال هذه السنين حبيسة رفوف خزانة زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله، لايعلم بوجودها سوى أبناء الشيخ وحفدته، وبعض المريدين ونزر قليل من الباحثين المطلعين على خبايا الزاوية.

فقد وجدت كراسة هذه الرسالة أول ما وجدت في فرع الزاوية البصيرية ببادية الخزازرة نواحي مدينة خريبكة بعد وفاة الشيخ، وإن كان كتبها سنة 1909م في بدايات سياحاته الصوفية بالمناطق الداخلية للمملكة المغربية، ورقنها شيخنا الوالد سيدي محمد المصطفى بصير رحمه الله على الآلة الكاتبة بإذن من شيخه سيدنا محمد الحبيب بصير رحمه الله، وأخرج منها نسخا عديدة، ولكنها لم توزع.

ونظرا لقيمتها العلمية، وأهمية المواضيع التي طرقها الشيخ سيدي إبراهيم البصير فيها- رغم اختصاره غير المخل – علاوة على احتياج الناس عموما لدررها، والمنتسبين لحقل التصوف خصوصا، فإني أذنت لأعضاء المؤسسة بدراستها وتحقيقها، تحقيقا يفي بالغرض ويحقق المقصود ليعرفها من لايعرفها، وينتفع بها.

وبتقليبي النظر في صفحات هذا العمل القيم، وجدت المحققين- مشكورين-قاما بتحقيق الرسالة المذكورة تحقيقا علميا مفيدا، مبرزين مكانة الكتاب العلمية، ومضيفين لبعض التعليقات المفيدة للقارئ وللمريد وللطالب وللباحث في مجال التصوف والتاريخ والفقه والأدب الصوفي، والتراث الإسلامي عموما، مما جعل رسالة الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله تخرج من خلال هذه الدراسة العلمية الأكاديمية المكتملة في حلة جديدة، تعطي نظرة شمولية عن المؤلف وعن عصره وعن محتويات رسالته وطريقة تأليفه، ناهيك عن عزو كل كلام إلى قائله بعد التحقق من صحته، وعلى الجملة يعتبر هذا السفر إضافة نوعية متميزة تعطي صورة عن التصوف المغربي أواخر القرن 19م والنصف الأول من القرن العشرين.

والرسالة المذكورة، جديرة بالاطلاع عليها والتوقف عند كل كلمة فيها بالتمعن والفكر، خاصة أن المؤلف تطرق فيها لمواضيع جد هامة يحتاجها المسلمون اليوم، وبالأخص الذين امتن الله عليهم بالانخراط في سلك طريقة من الطرق الصوفية في أنحاء المعمورة.

نعم أهل التصوف اليوم أحوج الناس من غيرهم لمعرفة كلام السلف الصالح من أهل التصوف، الذين عاشوا التصوف السني عمليا، علموا وعملوا وصدروا النفع لمجتمعهم ولغيرهم من الناس، كل ذلك في صمت وسكينة ووقار وإخلاص لله وتفان وتقديم تضحيات وطول صبر، دون أن يعلم أو يشعر بهم أحد.

خاصة أن ميدان التصوف في أيامنا هذه زعم الانتماء إليه الكثير من المدعين وأصحاب الدعاوى الكاذبة، الذين صيروا التصوف حرفة ومجالا للاسترزاق وطلب الجاه، وخرجوا به عن مقصوده، بالاشتغال بالتفاهات، فابتعدوا عن التزكية وسلامة القلب وضيعوا حقوق الخالق والمخلوق، وبالجملة ساهموا في تراجع الفكر الصوفي على مستوى الفكر والممارسة.

لذلك، نحن في حاجة ماسة لتجديد الفكر الصوفي والنهوض به وربط حاضره بماضيه، وذلكم هو أحد أغراضنا بإخراج هذا السفر المبارك إلى الوجود، فعندما نعود لكلام صاحب الرسالة نجده تعرض للعديد من الموضوعات التي نحتاج إلى من يذكرنا فيها حتى لانخطأ طريق السلف ولانجانب صوابهم.

فعندما نجده مثلا تكلم عن ضرورة العمل والجد والحزم في الالتزام بشرع الله، وإخلاص النية والاستقامة، وعدم تأخير الصلاة عن وقتها، وتعمير الوقت بذكر الله والمواظبة على الذكر بقلب حاضر، وعدم ترك الأسباب، وضرورة تعلم العقيدة والضروري من علوم الدين، وعدم الاهتمام بالدنيا، وصرف المال في وجوهه ولمستحقيه، والاهتمام بصلاة الجماعة وإخراج الزكاة، واتخاذ أوقات للقيام والتهجد والبكاء والتضرع والخلوة ودوام الفكرة، والرحمة بالخلق وحب الخير لجميع الناس، والعناية بعمل الليلة واليوم وأهمية ذلك، وغير ذلك من المواضيع.

أضف إلى ذلك كلامه عن أمور لصيقة بأهل التصوف، كأن يتكلم مثلا عن وجوب محبة جميع المنتسبين إلى طرق أهل الله، وعدم التفريق بينهم، وتحمل أذى المنكرين، والحذر من المدعي الذي يتكلم في شيخه، وحث المريدين على خدمة بعضهم لبعض، وإظهار الحب لمشايخ الطرق كيفما كان حالهم، ونقد بعض تصرفات المنتسبين للطرق الصوفية، وغيرها.

فهذا كله كفيل بأن يعود بأهل التصوف إلى أصول التربية الصوفية السنية الصحيحة، التي تربى عليها الأوائل من سلفنا الصالح، لأن المواضيع التي اهتمت بها الرسالة تتصل بشكل محوري بتربية المريد إلى أن يستقيم على طاعة ربه، وكل ما يصلح له في الدنيا والآخرة.

ختاما أسأل الله تبارك وتعالى أن يجازي خيرا السيدين المحققين على هذا العمل الكبير، وأن يجعله لهما من الأعمال الخالدة التي ينتفعون بها غدا عنده، كما نسأله عز وجل أن ينفع به كل مطالع.

اللهم يارب لاتعدمنا رحمتك وسعادتك وتوفيقك وسدادك وكلاءتك على الدوام، واجعلنا مصدرا لكل خيرا، مفاتيح للخير مغاليق للشر، آمين. والحمد لله رب العالمين.

وكتبه إسماعيل بصير.

رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام

وخادم أهل الله بزاوية جده الشيخ سيدي ابراهيم البصير، بني اعياط أزيلال

الزاوية البصيرية في يوم الثلاثاء27رجب 1438هـ/موافق25أبريل 2017م

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *