إصدار جديد بعنوان: “تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس”، للدكتور الجيلالي كريم

إصدار جديد بعنوان: “تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس”، للدكتور الجيلالي كريم

تقديم : مولاي إسماعيل بصير

رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، خادم أهل الله بزاوية جده الشيخ سيدي إبراهيم البصير

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل العلم أشرف أبواب مرضاته، وأمر عباده بالسؤال عنه إن جهلوه في محكم آياته، وصلى الله وسلم على خير الخليقة في أرضه وسماواته، نبينا وشفيعنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آل عترته الطيبين زنة عرشه ومداد كلماته، وعلى الصالحين من أوليائه، المقتفين أثره المهتدين بتعليماته، وسلم تسلميا كثيرا طيبا.

أما بعد، فبعد اطلاعي على هذه الدرة العلمية المكنونة المتمثلة في كتاب: “تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس”، سرني هذا العمل المبارك المتميز الذي أنجزه فضيلة الأستاذ العالم، حبنا وحبيبنا الأصفى، الدكتور الجيلالي كريم -حفظه الله ورعاه-.

بداءة أحب أن يعرف القارئ الكريم بأن المؤلف حفظه الله، ومن أجل تحقيق هذا الإنجاز المنقطع النظير حول الزاوية البصيرية، بذل قصارى جهده وضحى تضحيات جسام، حيث أذكر في أواسط التسعينيات أنه جاء أول ما جاء للزاوية زائرا لصاحب الفضيلة الشيخ والدنا محمد المصطفى بصير رحمه الله، وأخبره بعزمه على كتابة بحثه حول الزاوية، وهو يومئذ لايعرفها، ولا يعرف عن شيخها وتاريخها وأعمالها شيئا.

فرحب به الشيخ الوالد رحمة الله عليه منذ اليوم الأول، وفتح له مكتبة الزاوية، ومكنه من مخطوطاتها التي تتحدث عن الزاوية، ومن وثائقها الخاصة، ورسائل الشيوخ، والصور العتيقة، وظل الأستاذ الفاضل يغدو ويروح الليالي ذوات العدد، فتجده مرة في جلسة خاصة يحاور الشيخ ليبين له بعض خبايا الزاوية، ومرة يصر على الحضور في بعض الجلسات الصوفية والمواسم والمناسبات التي تنظمها الزاوية ليزيد فهما واكتشافا، ومرة تجده يسجل ويوثق لئلا يفوته شيء ذو أهمية، ومرة تجده يختلي ببعض المريدين وخواص الشيخ ليفهم ويستجلي حقيقة بعض الأمور، وهكذا بقي حاله إلى أن أنجز بغيته وناقش بحثه وحاز دبلوم الدراسات العليا المعمقة في التاريخ بوحدة التكوين والبحث في الرباطات والزوايا في المغرب التابعة لشعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، حيث وفقه المولى عز وجل وسدده في هذا البحث، واستحق من خلاله أن ينال دبلوم الدراسات العليا المعمقة في التاريخ بميزة مشرف جدا.

وشاءت الأقدار بعد ذلك في بدايات الألفين أن ألتقي في إحدى الندوات العلمية التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، بالأستاذ المشرف على أصل هذه الأطروحة، وهو فضيلة الدكتور أحمد الوارث حفظه الله، وهو لايعرفني وأنا لاأعرفه يومئذ، والذي تعرف على الزاوية عن طريق إشرافه على المؤلف، ولم يسبق له هو الآخر أن زار الزاوية أو عرفها أو اطلع على فاعليتها وأدوارها الحقيقية قبل هذا التاريخ، فدعوته مع لفيف من الأكاديميين المشاركين في الندوة المذكورة لزيارة الزاوية، وأجابوا الدعوة مشكورين، فاطلعوا عن كثب على الزاوية ومدرستها العلمية ومرافقها العديدة، فما كان من الدكتور أحمد الوارث إلا أن عرف بنفسه وصرح أمام الجميع بأنه هو الأستاذ المشرف على الأطروحة الجامعية التي أنجزها الأستاذ كريم الجيلالي حول الزاوية، وأنه عندما كان يطلع على ما تدبجه أنامله من مباحث حولها، كان يظنه يبالغ كثيرا فيما يكتب، وكان يسأله: هل هذا الصنف من الزوايا لازال موجودا؟ ، وقال بعد ذلك: أنا اليوم بعد اطلاعي على الزاوية وتعرفي عليها بالرؤيا والمشاهدة، فإنني إذا التقيت بالأستاذ كريم، فإني سأقول له بأنك لم تكتب كل شيء عن الزاوية البصيرية، وأطالبه بالكتابة حول تفاصيل التفاصيل المتعلقة بها، قلت: وصدق من قال: “ليس من رأى كمن سمع”.

بعد هذه التوطئة أقول: إن هذا الكتاب يجمع بين التميز الفرادة، فهو -من جهة- أول بحث أكاديمي من نوعه ينجز حول الزاوية البصيرية التي جاوزت القرن من الزمن دون أن تحظى باهتمام الباحثين رغم إسهاماتها الرائدة محليا وجهويا ووطنيا، ومن كونه اعتمد على مخطوطات ووثائق دفينة تخص الزاوية المذكورة كان له السبق في كشف النقاب عنها لأول مرة من جهة ثانية.

وقد نجح المؤلف في هذا الكتاب في ربط الماضي بالحاضر، حيث بسط الحديث في هذه الدراسة القيمة عن تاريخ الزاوية البصيرية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا، ورصد الثابت والمتحول في سيرورة تطورها، سواء على مستوى المنطلقات الصوفية أم على مستوى الوظائف والأدوار، وهي ميزة أخرى تنضاف لهذا العمل الأكاديمي الماتع.

ولقد جهد المؤلف -حفظه الله- في كتابه هذا، في تتبع تاريخ أسرة آل البصير وزاويتهم، حيث عرف بأصلهم ونسبهم وأماكن اشتهارهم، متتبعا ومقتفيا آثارهم من الصحراء إلى بني عياط بدير الأطلس، وفصل الحديث عن مؤسس الزاوية وشيخها سيدي إبراهيم البصير، فعرض سيرته وسنده وطريقته الصوفية وأوراده وأذكاره، وتتبع مسار حركته التربوية والعمرانية، وبين مراحل تأسيس زاويته والظروف والملابسات التي دفعته من الانتقال من منطقة إلى أخرى، إلى أن وضع عصا الترحال بمنطقة الدير التي بنى بها زاويته الحالية، ثم عرج على رصد وتتبع مختلف الأدوار الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية التي اضطلعت بها هذه المعلمة الدينية.

ويزيد من أهمية هذا المؤلف ما يحفل به من الدلائل على الوحدة الثقافية والفكرية والعلمية والعمرانية بين شمال المغرب وصحرائه، والعلائق العلمية والروحية التي جمعت بينهما، فهذه الزاوية بجميع مكوناتها تمثل أنموذجا حيا لهذه الوحدة الروحية والثقافية بين الصحراء المغربية وباقي ربوع المملكة الشريفة.

وإذ تقوم مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بطبع ونشر كتاب الدكتور الجيلالي كريم: “تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس”، فإنها تسعى من خلال ذلك تزويد الخزانة التاريخية المغربية بعمل نفيس يستجلي تاريخ الزاوية البصيرية في نشر العلم والصلاح، وبيان امتداداتها العلمية والروحية داخل المغرب وخارجه، ومن جهة ثانية إخراج عمل أكاديمي يقدم نموذجا واقعيا للوحدة الفكرية والروحية والسياسية والثقافية والعمرانية بين شمال المغرب وصحرائه، علاوة على تعريف جمهور الناس بنموذج للزاوية المغربية الفاعلة في أيامنا هذه.

ختاما، أسأل الله العظيم أن يجزل مثوبة الدكتور الجيلالي كريم على ما بذله من مجهود معتبر في هذا الكتاب المفيد القيم، وأن يجعله من الأعمال الخالدة في ميزان حسناته التي ينتفع بها، كما أسأله عز وجل أن يكتب لهذا العمل المتميز الفتح والقبول، وأن ينفع به كل مطالع،آمين، والحمد لله رب العالمين.

وكتبه إسماعيل بصير،
رئيس مؤسسة محمد بصير
للأبحاث والدراسات والإعلام
الزاوية البصيرية – بني عياط أزيلال
في يوم الجمعة 16 رمضان 1439هـ، الموافق لـ 1 يونيو 2018م

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *