كلمة الشيخ مولاي إسماعيل بصير في الذكرى الفضية ال 50 لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970

كلمة الشيخ مولاي إسماعيل بصير في الذكرى الفضية ال 50 لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم.

السيد رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان المحترم

السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال المحترم

السيد معالي وزير الأوقاف الباكستاني المحترم.

السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية وأبناء عمومتنا الصحراويين سكان أقاليمنا الجنوبية الغالية وكل الصحراويين الذين يتابعوننا عن بعد.

السادة العلماء وشيوخ الطرق الصوفية والدكاترة والأكاديميون والأساتذة والقراء والمنشدون المشاركون في أعمال هذه الذكرى من داخل المغرب وخارجه.

السادة مقدمو ومريدو وأحباب فروع الطريقة البصيرية داخل المغرب وخارجه.

السادة أعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام.

السادة أطر وأعوان مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق.

السادة رجال الإعلام والصحافة.

أيتها السيدات أيها السادة الحضور الكرام وكل من يتابعنا عن بعد.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

بداية وكما تتابعون، فإن مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام تخلد الذكرى الفضية الخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970م، بتنسيق مع رئاسة جامعة السلطان مولاي سليمان وعمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، وبشكل استثنائي هذا العام عن بعد عبر المباشر على موقع وصفحة وقناة الطريقة البصيرية، وذلك بسبب انتشار وباء كورونا الذي عم بلاؤه العالم كله، وإن كانت نية المؤسسة قبل حلول الوباء، هي تخليد الذكرى الفضية بما يليق بها وبرمزيتها وبمكانة صاحبها في قلوبنا وقلوب المغاربة.

 لذلك اسمحوا لي في البداءة أن أعتذر للسادة العلماء والأساتذة والأكاديميين، ولشيوخ القبائل الصحراوية وأبناء عمومتنا الصحراويين أينما وجدوا لاسيما في الأقاليم الجنوبية، وشيوخ الطرق الصوفية ومريديها، وأحباب الزاوية البصيرية، وطلبة العلم داخل المغرب وخارجه ورجال الإعلام والصحافة، الذين عودتهم الطريقة البصيرية الحضور إلى مقرها ومتابعة فعاليات ذكرى المجاهد سيدي محمد بصير، فقيد الوطن كل عام في الموعد نفسه، سائلا المولى عز وجل أن يرفع عنا الوباء والبلاء والبلواء الخارج من الأرض والنازل من السماء في القريب العاجل، وأن يحفظ بلدنا والإنسانية جمعاء من عطبه وبأسه، وأن ينصر مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، الذي يشهد له القاصي والداني والخاص والعام، بتعامله مع كارثة الوباء بكل حزم وذكاء وجنب شعبه وبلده الأسوء، بل إن الاحتياطات الاحترازية التي أمر باتخاذها كانت بحق محط ثناء العالم أجمع. كما نسأله عز وجل أن يشافيه ويعافيه ويمتعه بتمام الصحة وتمام العافية. وأن لا يرينا فيه مكروها أو بأسا أبدا، أمين.

أيتها السيدات أيها السادة، لقد اتخذت الذكرى الفضية لانتفاضة سيدي محمد بصير، هذه السنة شعار: “تعبئة ومواصلة الجهود لكشف مصير زعيم انتفاضة الصحراء المغربية المفقود سيدي محمد بصير“، لأنه مر نصف قرن من الزمان على اختفاء زعيم انتفاضة الصحراء المغربية المجاهد المناضل سيدي محمد بصير، دون أن تكشف الدولة الإسبانية عن مصير اختفائه القسري، بالرغم من المطالبات العديدة التي قام بها الأخ الشقيق لسيدي محمد بصير والدنا الشيخ سيدي محمد المصطفى بصير رحمه الله منذ السنوات الأولى للاختفاء نيابة عن كافة أفراد العائلة، ولاتزال نسخ الرسائل التي حررها وبعثها في هذا الشأن لمختلف الجهات المختصة بحوزتنا في أرشيف خزانة الزاوية.

وتابعنا بدورنا مسيرة المطالبة بكشف مصير هذا المناضل الفذ تحت رعاية سامية لمولانا أمير المؤمنين، وقمت شخصيا بمحاولات عديدة في هذا الإطار منذ ولانا الله مسؤولية الزاوية البصيرية سنة 2006م، ولكننا تفاجأنا حقيقة بالمعاملة غير المتوقعة من الدولة الإسبانية التي منعتنا في البداية من حق الحصول على تأشيرة شينغن سنة 2011م بعدما تم الاتفاق مع محامين إسبانيين وتوكيلهم للترافع في الموضوع، وتكرر المنع سنة 2012م وسنة 2014م، مما اضطرنا بعد ذلك إلى تغيير الوجهة للمطالبة بالكشف عن مصيره عن طريق مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية بجنيف سويسرا منذ سنة 2016م، حيث شارك أخونا الدكتور عبد المغيث بصير في دورتها عدد 108 التي نظمت بالمغرب، وقدم عرضا موثقا حول المختفي قسرا سيدي محمد بصير، وقدمنا حينها الطلب بشكل رسمي للمجموعة الأممية لمتابعة القضية.

ومنذ ذلك الحين بقينا في تجاوب مع مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية، وأمددناها بكافة الوثائق والشهادات، وقمنا بتوكيل محامي لمتابعة القضية مع الدولة الإسبانية، وبعد عدة مراسلات تطلبت وقتا طويلا، تغير الموقف الإسباني واعترفت الدولة الإسبانية في رسالة مؤرخة بـتاريخ 04 نونبر 2019م بانتفاضة المجاهد سيدي محمد بصير في يوم 17 يونيه 1970م بالعيون، والتي قامت بها حركته الوطنية لتحرير الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني كما تقول الرسالة، كما اعترفت بأنها ألقت عليه القبض وحققت معه طيلة خمسة عشر يوما وأخضعته للتعذيب هو ومن كان معه وسجنته، وبأنه خرج من السجن رفقة بعض عساكرها، ويحتمل جدا أن يكون فارق الحياة كما ذكرت الرسالة. وكانت ستتم عدة لقاءات للمحامي مع الجانب الإسباني لمتابعة القضية خلال الأشهر الأخيرة، لولا وباء كورونا الذي تم بسببه تأجيل غالبية المواعيد.

وبخصوص تفاصيل الجواب الإسباني، سأتركها للأستاذ السيد مارك رضى هارمان بنعدي، أحد مريدي الزاوية البصيرية المكلف بالتواصل مع المحامي في قضية الاختفاء القسري للمناضل الوطني سيدي محمد بصير، الذي سيطلعنا على جديد هذه القضية في مداخلته.

والذي أحب التنويه به في هذا المقام أن الدولة الإسبانية أصبحت تتجاوب مع الأسرة بواسطة مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية بشكل سلس في الموضوع، والذي أحب التأكيد عليه أن التواصل سيستمر مع الدولة الإسبانية إلى أن تكشف عن مصير المجاهد المغربي والمقاوم الوطني سيدي محمد بصير وتطلعنا على قبره ورفاته، ليدفن مع أبويه وإخوانه جنبا إلى جنب في مقبرة الزاوية البصيرية.

وبهذه المناسبة، ونحن نخلد الذكرى الخمسين لانتفاضة واختفاء المناضل سيدي محمد بصير، أدعوا كافة أهل الاختصاص من أصحاب الضمائر الحية في المغرب وفي العالم أجمع التكرم بالاستجابة لدعوة الأسرة البصيرية لمشاطرتها ودعمها في معركتها إلى أن يتم الكشف عن مصير المقاوم المغربي سيدي محمد بصير أقدم مفقود في العالم.

أعود فأذكر وأقول لبعض إخواننا وأبناء عمومتنا الصحراويين الذين مازالوا متشبثين بالأسطوانة المشروخة للطرح الانفصالي: إن إسبانيا تعترف اليوم بأن المقاوم المغربي سيدي محمد بصير، أسس حركته الوطنية لتحرير الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني، ولم يكن يوما ما انفصاليا أو زعيما روحيا للانفصال كما تدعون ويدعي خصوم وحدتنا بدون دليل.

وبذلك نقول لكم -نحن أسرة الفقيد- إننا لا نسمح لكم بتزوير تاريخ الصحراء المغربية، وكأنكم أول من وجد فيها، كما لانسمح لكم بالاستمرار في ترويج أطروحة الانفصال باسم المجاهد الوطني المغربي سيدي محمد بصير، فلماذا لم نسجل ولو طلبا واحدا منكم للدولة الإسبانية للكشف عن مصيره وقد مر نصف قرن على اختفائه؟ لماذا لم تطالبوا به يوم قمتم بتبادل الأسرى مع الدولة الإسبانية سنة 1974م وكان الأمر مواتيا جدا؟، فقضية الاختفاء القسري لسيدي محمد بصير لاشأن لكم بها ولا شأن لها بكم، وكل من سولت له نفسه الركوب عليها وتلميع اسمه وصورته بذكرها فسيكون لنا معه شأن وأي شأن في المحاكم الدولية. لأن الأسرة البصيرية في الحقيقة لم تجد منكم إلا التشويش على عملها الجاد في الموضوع مع الدولة الإسبانية. تماما كما أن الصحراء والصحراويين لم يجنوا من وراء انفصالكم ومطالبتكم بتقرير المصير إلا الويلات العديدة التي تتاجرون بها.

وليعلم القريب والبعيد بأن آباءنا وأجدادنا قرروا مصيرهم منذ زمن غابر في التاريخ، فقد كانوا ولازالوا تحت السيادة المغربية، والصحراء ساهمت كغيرها من المناطق المغربية في صنع تاريخ المملكة المغربية.

ولا يفوتني ونحن نحتفي بالذكرى الفضية لانتفاضة المجاهد المغربي سيدي محمد بصير، أن أتوجه ببعض كلامي لإخواننا وجيراننا من أبناء الشعب الجزائري الشقيق، لعلها تجد آذانا صاغية لديهم، ولعله يكون فيها شيء من الخير لتحريك المياه الراكدة في علاقاتنا معهم.

أقول لإخواننا الجزائريين الأشقاء بهذا الخصوص: لقد آن الأوان أن نترك السلبيات التي تفرقنا جانبا، وهي قليلة، ولنذكر الإيجابيات التي تجمعنا، وهي كثيرة بحمد الله تعالى، وهذا هو منهج ديننا، ففي المأثور عن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أنه مر بجيفة، ولا أعتقد أنه يوجد في الأرض أبشع لا في المنظر ولا في الرائحة من الجيفة، فقال أصحابه: “ما أنتن ريحها”، فقال عليه الصلاة والسلام:” بل ما أشد بياض أسنانها”.

 فسنة الله في خلقه الانتباه للإيجابيات أكثر من الانتباه للسلبيات، ونحن –معشر مسلمين- علمنا ديننا أن نظهر الجميل وأن نستر القبيح، أما أن نتصيّد أخطاء وعيوب بعضنا، فهذا ليس من أخلاق الدين الذي يجمعنا. بل هو ديدن أعداء الدين الذين يسعون على الدوام لتفرقة المجتمعات الإسلامية.

فالمعلوم لدى كل عاقل أن السلاح الاستراتيجي الأول الذي يستعمل من قبل أعداء الدين للقضاء على ديار الإسلام إنما هو سلاح التفرقة، وتأليب المسلمين بعضهم على بعض، ومنذ القدم وأعداء الدين يعملون على تفتيت المسلمين، ويسخرون ما بدا لهم من أجل ذلك، لتحويلهم إلى فئات متصارعة بين يدي الهدف الأكبر، ألا وهو القضاء على الإسلام، فلنكن عقلاء في مواجهة أعداء وحدتنا وتكاملنا. وما دول العالم الإسلامي التي خربت ومزقت وفتنت وقتل وهجر أهلها عنا ببعيد.
وإذا تأملنا في المشترك بين المغرب والجزائر ، نجده أكثر من أن نأتي عليه في هذه العجالة، وحدة الدين والتاريخ والجغرافيا واللغة والمصير المشترك وعمق الوشائج بين البلدين الشقيقين، وتضامن حركات التحرير وأخوّة السلاح خلال أواخر المرحلة الاستعمارية، والنضال المشترك للحركات الوطنية المغاربية، والذاكرة المشتركة، وما تلا ذلك من محطات فاصلة، علاوة على المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية أيضا. وغير ذلك مما لا يحصى.

فمسألة التقريب بين وجهات النظر في هذه الأيام، والتصالح مع التاريخ القريب والذاكرة المشتركة هي مهمتنا ومهمة كل المواطنين الصالحين المغاربة والجزائريين، والنخب المثقفة في البلدين، الذين يتعين عليهم تحمل مسؤولياتهم في هذا الجانب، لأن مواجهة التحديات الكثيرة، والتوجه إلى المستقبل الذي يجمعنا شئنا أم أبينا، لا يمكن أن يتم بشكل صحيح دون تصحيح المسار، بعيدا عن المزايدات السياسية التي سممت الأجواء وما زالت كذلك تؤجج النعرات بتحكيم قاعدة الغالب والمغلوب، فلا غالب ولا مغلوب بين الجيران، وإنما هو اتحاد وتكامل، فقد آن الأوان لأخذ العبر والدروس من الماضي القريب والبعيد، وعدم تكرار السقوط في الأخطاء نفسها. أليس الأجدر بنا ونحن مسلمون والقواسم المشتركة الجامعة بيننا كثيرة ومتعددة بحمد الله تعالى، أن نضع اليد في اليد ونشمر عن ساعد الجد وننافس القوى المتقدمة بدلا من المراوحة في المكان نفسه، وتضييع الوقت والجهود والأموال فيما لا طائلة من وراءه؟.

ختاما أتقدم بالشكر الجزيل، مع الاعتراف بالثناء الجميل لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك المفدى مولانا محمد السادس نصره الله، الذي يرعى قضية الفقيد محمد بصير، سائلين المولى عز وجل أن يعافيه وأن يسدد خطاه في كل محفل ومقام، وأن يعجل الله على يديه حل مشكلة الصحراء المفتعلة، كما أشكر كل من السيد والي ولاية بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم بني ملال، والسيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال، على تنسيقهم ومتابعتهم لأمر هذا اللقاء وحرصهم على نجاحه، وعلى دعمهم الدائم لأنشطة الزاوية، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعون والحفظ، وأن يجعلهم دواما عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين،  كما نشكر  السيد رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان والسيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال وأساتذة شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية، وإن أنسى لا أنسى كل السادة العلماء والشيوخ والأكاديميين والقراء والمنشدين ورجال الصحافة والإعلام الذين استجابوا لدعوتنا لتخليد الذكرى الخمسين رغم ظروف وإكراهات الوباء الكثيرة، جزاهم الله عنا خيرا،  والحمد لله رب العالمين.

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *